لو خُيّرت، هل سأختارك؟

للأشخاص والدوائر الاجتماعية التي يأتي منها هؤلاء الأشخاص دور كبير في حياتنا، فنحن نحتاج، بشكل متفاوت، أن نكون محاطين بأشخاص وجماعات ننتمي اليها، ونتفاعل داخلها، نحتاج أشخاصاً نحبهم ونشعر بحبهم لنا، نتبادل الاهتمام والحب والشعور بالتألق والرضا عندما نكون معهم، تماما كما نحتاج أن يمر بنا أشخاص صعب التعامل معهم، نحتار كيف نمضي الوقت في صحبتهم، وتزداد الأمور صعوبة إن كان لابد لنا من التعامل مع هؤلاء إما بسبب كونهم أفرادا من الأهل، أو زملاء أو رؤساء عمل معهم أو حتى أفراداً من مجموعات ننتمى لها اجتماعية كانت أو رياضية أو ثقافية أو أي شيء آخر. كل هذه الأنماط من الشخصيات مهمة، بشكل مختلف، لنمونا العاطفي وتمتين قدرتنا على حماية صحتنا العقلية والنفسية وقت مواجهة الأزمات والصدمات.

لذلك فالجرد مهم للتأكد من الامتنان لوجود الأشخاص الذين يسهمون مباشرة في سعادتنا، معهم ينفتح القلب على مصراعيه، وتنساب الكلمات من لساننا دون رقيب، ويكون الحديث معهم وجبة مشبعة من البهجة، ومعهم لا حدود للبوح، ولا خجل من الضعف. الصداقة هي الرابط بيننا، هم أصدقاء الروح لكل الأوقات، قد يكون هؤلاء أفرادا من أي من الدوائر الاجتماعية التي ننتمي إليها، فقد نجد الصديق في العائلة، والأهل، أو أثناء الرحلة التعليمية، أو في العمل، أو في أي من طرق الحياة.

ومثل هذه الأهمية تولى لتحديد الأشخاص الذين يصعب أن نكون على سجيتنا معهم، ترتفع حدودهم أو حدودنا عند اقترابنا من بعضنا، إلى مستويات غير مريحة، فيما لا تعمل “الكيمياء” بيننا بشكل جيد. البعض يسمم أجواء الجماعات التي ننتمي إليها كلانا بطاقة غير محببة.

من المهم أن ننظر في علاقاتنا بعمق ونتأملها، والجرد ضروري لاستبقاء أو التخلص من العلاقات، ومهم بالقدر نفسه لتعديل هذه العلاقات، خصوصا تلك التي لابد منها، سواء لروابط لا يمكن فكها، أو لكون ميزانها يميل قليلا لغير صالحها، فلا بأس من تعديله.

فكيف نقوم بجرد علاقاتنا!!

هو سؤال واحد ذو شقين نسأله لأنفسنا عن كل فرد لنا علاقة ذات معنى به في حياتنا: لو أعطيت الخيار هل أختاره من جديد؟ ولو أعطي هو الخيار هل سيختارني؟

هذا السؤال قد يحدث زلزالا، ويفتح جيوباً مغلقة في قلوبنا، وقد ينبهنا لعيشنا في خسارات عاطفية لا نعيها لكوننا أطرافا غير فاعلين في علاقات لا نرى حاجة في اختبار أهميتها لنا، أو أهميتها لطرف العلاقة الآخر، غافلين عن برودة بدأت تسري في أطرافها. يقال إن العلاقات هي كائن يبدأ صغيراً ويكبر لمرحلة الشباب والعنفوان، ثم يهرم، وقد يموت قبل موت أطراف العلاقة. وهذا القول صحيح، إذا ما ترك هذا الكائن دون رعاية واهتمام، سينمو باهتا متثاقلا ويشيخ بسرعة، وقد تكون حياته قصيرة إن لم يتجدد وتتواكب وتيرة نمو أطراف هذه العلاقة الكائن.

التشبيه الأجمل للعلاقات هو الشجرة التي تنمو وتكبر بقدر ما تسقى، فيما الأشجار التي تروى بحب واهتمام تنتعش في نموها وتصبح أوراقها خضراء يانعة تظلل أطراف العلاقة تحتها كأم رؤوم.

في استطلاع سريع مع فئات مختلفة عمريا واجتماعيا، رأى أغلبهم أن التكنولوجيا أثرت سلبا على العلاقات الإنسانية بشكل عام، وعلى العلاقات الأسرية بشكل خاص لكون أفرادها يرون أن الرابط البيولوجي والوجود الفيزيائي في مكان واحد يكفيان لاستبقاء “العلاقة الأسرية”.

هذه التكنولوجيا خلقت أفرادا منعزلين عن محيطهم ومرتبطين بأجهزتهم الإلكترونية، يهتمون بحيوات الآخرين والمشهورين في وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من اهتمامهم بالقريبين منهم، ويتواصلون عن بعد بمعارفهم، يتحدثون مع من حولهم يتحدثون مع من حولهم بعين وعين أخرى على الهاتف، وربما العينان أيضاَ منصرفتان للهاتف، فتهترئ الذاكرة المشتركة وتقل كثافة المتراكم فيها وتضعف العلاقات حين تُحرم أسباب النمو لتحقق الدفء والأمان.

وفي هذا ظل هذه التكنولوجيا المتسارعة أيضا أصبح بناء العلاقات ورعايتها غير محكوم بالتواجد الفيزيائي، بل بمقدار الرضا والسعادة التي تحققها، والأمان العاطفي الذي تحمله معها. فأصبحت المحافظة على العلاقات في داخل الأسرة، تحديداً، أكثر تحديا لسرعة أخذ هذه العلاقات شكل الاعتياد بحكم العيش معا.

جرد العلاقات يحتاج لصدق وجرأة كبيرين، الإجابة على الشطر الأول لاختبار أهمية الآخرين بالنسبة لنا، وهو الأسهل، سيعيد تصنيف العلاقات ويتجدد به الامتنان لوجود كل من يحافظون على مكانهم في القلب، كبيرا ودافئا، كما سيحدد تلك العلاقات التي تلجم طبيعتنا وتثقلنا بعبء قد يكون ساما. أما الشطر الأصعب في امتحان الجرد فهو اختبار أنفسنا في عيون الآخرين الذين يهمنا أمرهم، ماذا فعلنا لنُبقى عيونهم متعلقة بنا ولكي نحافظ على أهمية وجودنا بالقرب منهم. الاختبار الحقيقي هو أن نعرفهم ونعرف بالقدر نفسه مكاننا في قلوبهم، وماذا نفعل لنحافظ على هذا المكان.

قد يكون جرد العلاقات قاسيا نحتفي فيه بأشخاص ونودع آخرين فيما قد ينبهنا أننا على وشك الخروج من قلوب كانت مرتعا لحب واهتمام كبيرين. جرد العلاقات هو موسم تقليم الشجرة بدقة واهتمام لتنمو وتعلو أغصانها أكثر قوة وأكثر عطاءا في الزهر والثمر.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s