يسكب محمد فاضل في نصوص كردم ذاكرة غنية بتفاصيل حياة الصغير الذي كانَهُ منذ بدء تشكل الوعي لديه بما حوله. ذاكرة لم تراكم مشاهد أحداث يتحرك فيها الأشخاص فحسب، إنما تغوص فيما وراءها وتبحث عن أصل الأشياء وأصل الحكايات وأصل الشعور، تبحث عن حبالا سرية تربط فيما بين كل ذلك لتنسج التاريخ من جديد وتعيد له ألقه وألوانه.
في نصوص كردم لم يكتب فاضل سيرة حيّا من أحياء المحرق فحسب وإنما كتب السطور الأولى من سيرة الطفل الذي قدر له أن يكون صحافيا قبل أن يكبر ويمتهن الصحافة. فنصوص كردم ليست كلمات الصحافي المخضرم الذي صنع له اسماً في عالم الصحافة فيما بعد، وإنما هي تراكمات فضول الصحافي الفطري الذي تشكل في تكوينه منذ أن كان طفلاً يقرأ ما وراء فرح أمه وأصل الحزن عند أبيه.
نصوص كردم هي نموذج، بخصوصية “محرقيه” ربما، للأحياء في البحرين حيث الأصل في العلاقات هو المحبة والألفة والقبول بوجود الآخر المختلف بل بفتح الباب له ليكون له مكاناً في الحي وفي القلوب دون السؤال عما هو أبعد مما يُرى منه وعليه كما في شخص كردم الذي سمّيت النصوص باسمه، حتى لتبدو جدران البيوت وأبوابها ليست ذات أهمية سوى عندما يذهب أبناء الحي للنوم “… فهذه المدينة تعرف الناس بألقابهم أكثر مما تعرفهم بأسمائهم المدونة في بطاقاتهم”.
بلغة بسيطة وعميقة في آن، وبإخلاص الصحافي للتفاصيل وحرصه على تشذيب نصه إلا من المهم منها، جاءت النصوص كومض كثيف النور وممتلئ به وخاطف. في كل منها حكاية تصلح لأن تكون رواية تذهب إلى أمكنه وأزمنة حقيقية ومتخيلة، أبعد من عمر ذاكرة الطفل واليافع والشاب الذي خزّن مكونات هذه النصوص، لكن حس الصحافي غالَبَ الحكّاء الفطري في محمد فاضل فالتقيا دون منتصر، فكان لهذا الومض الغني الممتع أن يوثّق، وربما فتح يوماً باباً لأعمال أخرى تلتقط خيطها الأول منها.