مع تخدير البابونج تدور الاحلام في اماكن بعيدة ربما عميقة، هكذا اشعر وعندما استيقظ اشعر انني نمت فعلا. لم أكن في هذا العالم ولم يكن يربطني به سوى من جاءوا منه لي في الحلم. لكن هذا النوم العميق لا يشبه النوم تحت تأثير المخدر!
اجريت لي عمليات قليلة في حياتي خضعت فيها للتخدير العام. أخر عمليتين اجريتا في فترة متقاربة. قبل شهر كان طبيب التخدير شابا يتبع الاسلوب التقليدي الذي يشغلني به حتى يضع المخدر في وصلة المغذي على كفّي. كنت اريد ان اقول له اسلوبك تقليدي لكنني استيقظت على الم بسيط اعادني للوعي في غرفة الافاقة.
هذه المرة قبل يومين، كان طبيب التخدير حيويا سمعت انه “شاطر” فلما أخبرني باسمه قلت له “انني الان مطمئنة على نفسي” ضحك ولمحت اشراقة وجهة بسعادة خجلة محاولا التواضع. كان يبحث عن وريد لوضع ابرة السيلان عندما طلبت منه ان يخبرني باللحظة ما سيقوم به في رحلة تخديري القصيرة. فضحك مرة اخرى مستفسرا باستغراب، فأخبرته وانا اضحك ايضا انني اريد ان استمتع باللحظة واكون واعية في لحظة غياب وعيي.
فكرت لحظتها كيف لهذا المحلول السحري ان يفصل الانسان عن وعيه خلال 20ثانية. هذه المرة كنت في غرفة العمليات بكامل وعيي. في المرة السابقة كنت في غرفة التحضير للعمليات المجاورة. لم ار غرفة العمليات. هذه المرة شعرت بالرهبة وهدير عجلات السرير يخترقني، وكل ما اراه السقف المجهز بكشافات دائرية متلاصقة ووجوه كثيرة حولي. يختلف شكل الوجوه عندما نشاهدها من الاسفل ونصفها مغطى بالقناع الطبي، تصبح العين هي مركز التواصل واغلبها من خلف النظارات. فكرت: قبل قليل كنت قد وقعت على اقرار ان هناك نسبة وان كانت بسيطة لحدوث تعقيدات تؤدي للوفاة. ماذا لو كان هناك خللا كامنا فيّ يتعارض مع دواء التخدير!… همم يعني قد لا افيق ابدا بعد ان اغيب. لم احسب حساب ذلك وانا الوح لابنتي عند باب غرفة العمليات وهي تقول بضحكة قلقة: اراك بعد قليل. إذا هكذا يغيب الناس فجأة. للحظة شعرت أنني على حافة عالمين متجاورين.
جاء الطبيب وربما قرأ على وجهي ما كان يدور قي رأسي فسألني مازحا: خائفة ام مرعوبة. فقلت خائفة شووووي. لكنني لم أكن خائفة. كنت اترقب طبيب التخدير يخبرني ان رحلة ال 20ثانية، كما قال، ستبدأ. كان الوقت ضيقا والافكار كثيرة وأفكر انني اريد ان انقل ما يدور في رأسي الى خارجه، على الورق، في حديث مع أحد. اريد ان اعرف ماذا يدور في الدماغ تحت تأثير التخدير. ماذا يفكر هؤلاء الذين يذهبون لغرفة العمليات. اردت ان اسأل الطبيب أكثر كيف تكون أمزجة المرضى في هذا المكان، وماهي أمثل طريقة للتخدير. هل الافضل ان يدخل المريض غرفة العمليات واعيا او مخدرا او شبه مخدر كي يستجيب للإرشادات او للإجابة على استفسار مهم قبل اجراء العملية، هل مات احدا خوفا قبل العملية هل….
اسئلة كثيرة ازدحمت في رأسي وانا محاطة بضجيج كلمات غريبة ومصطلحات طبية للإجراءات والأدوات، لكن الرحلة بدأت والصور اصبحت مثل الافلام عندما تتمدد الوجوه وتنكمش وتتحرك ملامحها بصورة غريبة ويصبح الكلام بعيدا وكأنني أغرق ولكني مازلت اتنفس ولست مرتبكه. غرقا لذيذا.
هذه المرة احترم طبيب التخدير رغبتي في الشعور باللحظة. كنت سعيدة بذلك. بدأت اشعر بطعم يشبه الدواء مع الشهقات الثلاث التي طلب مني طبيب التخدير ان ادخل بها اكبر كمية من الهواء الى صدري من خلال قناع الاوكسجين. التفتّ، او هكذا بدا لي لأشكره، شعرت ان قناع الاوكسجين انزاح مع حركة راسي وانني احاول رفع يدي لتعديله، لكنني استيقظت في غرفة الافاقة ولا اعرف كم مر من الوقت وانا خارج هذا العالم.