هناء بوحجي
تغوص الكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب في روايتها “مخمل”،الحائزة على جائزة نجيب محفوظ 2017، التي تمنحها دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة، في عمق الحياة في المخيمات الفلسطينية، وتصف في سرد ثريّ كيف تمكّنت الأوضاع البائسة من سكان هذه المخيمات وشوهت إنسانيتهم وطال ذلك حتى التكوينات الفطرية التي تسطحت وغابت في خضم الشقاء فلم تعد الأمومة مدفأة الأسرة والأبوة سندها والبنوة الثمار التي تنضج على مهل حتى يحين قطافها وقت الحاجة.
تفننت الكاتبة في فرد أوجه العنف والانتهاك الذي تتعرض له المرأة وكيف بدت أنها تتحمل الجزء الأكبر من تبعات اغتصاب الأرض والتشرد الذي تعرض لها شعبها، فكأن لعنة الاغتصاب تلاحقها على أيد مختلفة تتفنن في إذاقتها صنوف الألم وأشكاله. وكان الرجل في الرواية هو بوابة المرأة إلى الحياة فإما أن يفتح على بساتين السعادة كما فعل فارس العاشق لدرة عينه، وأبو ليلى في أيامه القصيرة التي تقاطعت بأقدار حوا، وإما أن يفتح أبواب جهنم كما فعل غالبية رجال “مخمل”، موسى الأب ونظمي الزوج وعايد الأخ وقيس الابن. لكنها في الوقت نفسه أظهرت المرأة قوية في إدارة شئونها وفي التحايل لتجنب سطوة الرجل على أموالها، وفي تحمل الكثير من الألم والظلم دون انكسار.
بدت حوّا، بطلة الرواية في مفاصل كثيرة من الرواية فلسطيناً أخرى، تُغتصب وتُنتهك ويتناوب على ولاية أمرها من لا يحق له ذلك وبمباركة مجتمع لا يرحم ولا يرفع ساكنا لإصلاح فاسد.
وكفلسطين أيضا، لا تكسرها القوة، فحوّا لم تكن تستكين للظلم بل تدخل عالمها الموازي الذي أجادت اللجوء اليه والاحتماء به. فهناك تحول العلقم إلى فاكهة تقطفها باشتهاء، وهناك تطل من علٍ على حوّا التي تحرسها حين تخترق تلك النظرة القوية المتحدية في عينيها، عين خصمها وتأخذه إلى أعلى درجات الغضب، حتى يتعب ويلملم، منهكاً، انتصاراً مشبعاً بالخيبة.
نهاية الرواية مروعة، ليس بسبب الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق حوَا ولكن لأنها تشي بفقدان الأمل من انتصار العدل والحق عندما لا تثمر التضحية في الأبناء الذي لا يبدون عرفاناً ويتركون حوّا، ترعى وحيدة آثار الزمن على رابعة الأم التي لم تحبها قط وتبالغ في اعتنائها بها كما ينبغي أن يتم الاعتناء بالوطن كما في القول “بلادي وإن جارت علي عزيزة…”، بل ويتمادون في الجحود فينهشون منها ما تطاله أيديهم. ثم ينتهي بهم الأمر أن ينصبون أنفسهم حكّاماً على حقها في الحياة.
عنوان الكتاب يثير الحيرة.. فقماش المخمل في أعلى درجات جودته كان هو قمة ما يحاك من أحلام في خيال المرأة التي هي محور الرواية لكن لا شيء يشبهه في الرواية التي غاصت في الألم والعنف والفقر. من ناحية بدا العنوان مقحماً على قصة الرواية الأساسية، ففي الرواية من البؤس ما يكفي لاختيار عنوان يعبر عنه فهل كانت الكاتبة ترى أن الحلم المخملي يوازي الواقع المؤلم الذي اكتسح الرواية! أم أن “المخمل” الذي كان يظهر ويختفي كان مصيدة التشويق حتى النهاية حينما كان المخمل جزء مهم من المشهد الأخير!