أيّها الإعلاميون… رفقاً بأيامنا المقبلة

من الأدب الإنساني، وفي كل الثقافات، أنه عندما يأتينا ضيف، نتجنب الاختلاف في حضرته، وإن اختلفنا نتجنب أن نرفع أصواتنا بخلافاتنا، وإن رفعنا أصواتنا فننتقي ألفاظنا احتراماً له واحتراماً لأنفسنا أمامه.

فما بالنا قد نسينا ما تعلمناه أن رمضان الكريم ضيف ذو حرمه. إن لم يكن تديناً فعادةَ، أوتقليدا اجتماعيا، أو حتى عرفاً. كثيرون يتذرعون به ليعاندوا النفس الأمارة بالسوء، وكثيرون يخجلون أن يؤتوا معاصيهم، حتى في الخفاء، خلاله، وكثيرون ينهون خصوماتهم، ويطهرون قلوبهم مما شابها من أحقاد ومشاعر ثقيلة، ويفتحون صفحات بيضاء في أيامهم التالية يرجون أن تجعلها خبرتهم في الحياة أكثر نقاء.
البعض، في هذه الأيام، غلبته نفسه، ولم يفلح مخزون ثقافته بكل مكوناته أن يثنيه عن أن يفجُر في خصومته وفي لفظه وفي سلوكه.
من يستعرض المتوفّر من وسائل الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي يصاب بالغثيان المحزن للكيفية التي يتناول فيها المشاركون برأيهم في مسألة الخلاف الخليجي الأخير. هؤلاء المشاركون منهم من هو يجلس في الصفوف الخلفية بلا اسم وبلا هوية ووجد الوضع المفاجئ فرصة ليجعل من نفسه شيئاً يُرى، أما هؤلاء الذين صنع منه المجتمع نجوماُ بإيمانه بهم وبأفكارهم سواء كانوا صحفيين تقليدين أو أيقونات تواصل اجتماعي، فمسئوليتهم أكبر وأكثر أهمية وخطورة تجاه هذه المجتمع الذي منحهم هذه المكانة، وبات من الواجب عليهم أن يكونوا مخلصين في تأثيرهم عليه.
في دورة صحافية حضرتها في جامعة كولومبيا الأميركية العريقة كانت خلاصتها أن الإعلامي بكل تصنيفاته في العمل الصحافي يحمل مسئولية عظيمة تجاه مجتمعه، فكاتب الخبر عليه أن يكون مهنياً دقيقاً لأنه يقود المجتمع لـ “ماذا يفكّر” أما كاتب الرأي  فمسئوليته أعظم لأنه يقود المجتمع إلى “كيف يفكّر”.
تجربتنا لاتزال طازجة على المستوى المحلي. في أزمة 2011 كُسرت قلوب كثيرة وهُدمت علاقات وحُلَت روابط بنيت على مدى سنين وليس معلوماً كم سيستغرقنا لنجبر ما كُسر ونبني ما هُدم. لنجعل ما جنيناه من تلك الأزمة درساّ نتعلم منه ولا نكرره على المستوى الإقليمي، فـ” خصومنا هذه المرة أيضاً هم جيراننا وأهلنا وسواء سوّي الخلاف وانتهت الأزمة غداً أو بعد عشر سنين أو لم تنته إلى الأبد، فسيظلون قريبين في المكان ومن العين والقلب. لن يبتلعهم البحر، كما أننا لن نهاجر عن جيرتهم إلى كوكب آخر.
تقول مايا أنجلو “سينسى الناس ما قلته، وسينسى الناس ما فعلته، لكن الناس لن ينسوا أبداً الشعور الذي تركه فيهم ما قلت وما فعلت”.
فلنكن متحضرين في خلافنا واختلافنا، ولنكون عوناً لحكوماتنا وأوطاننا لتتجاوز الأزمة بأقل الخسائر، فنؤمن طريقاً معبدة للعودة بدلاً من أن نزرعها اشواكاً ونجعلها أكثر وعورة. فيكفينا عدو واحد يقهقه الآن بعد أن احتفل في 5 يونيو بنكستنا الثانية لنقطع عليه الطريق أن يرقص على جثثنا في ذكرى جديدة بعد أن يستل من تراثنا ما يتغنى به بأن “الثالثة ثابتة”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s