هل نيأس؟

أمران جعلا من الأسبوع الماضي أسبوعاً حزيناً في أيامه، كريهاً في نهايته. الأول خاص، إذ تتالت أخبار وفيات «الفجأة» في محيطي. ففي مطلع الأسبوع توفيت زوجة أحد الزملاء، ثم ابن شقيق زميل عمل، شاب في الثلاثين من العمر لينتهي الأسبوع بوفاة الإعلامي السعودي ذي الحضور المختلف، سعود الدوسري.

لم تربطني صلة أو علاقة بأيٍّ من المتوفين، ولم ألتق أياً منهم قط، لكنني لم أملك أن أوقف خيوط الأسى وهي تتسلل إلى داخلي مع سماع كل خبر، وتتمدد هذه الخيوط وتثخن بعد أن تشابكت مع خبر تفجير مسجد قوات الطوارئ بأبها، ضمن سلسلة إرهاب بيوت الله، ليذهب ضحيته 15 شهيداً.

للفقد المفاجئ وغير المتوقع، رهبته لدينا نحن البشر بعلمنا المحدود، لأنه يأتي دونما مقدمات، لكنه في الغيب مكتوب منذ الأزل. وليس لأحد أن يوقف عمر أحد إلا بإذن الله «لكل أجل كتاب»، (الرعد، 38) وإن كان بفعل فاعل كما حدث للمصلين في مسجد أبها، فلا نملك إلا أن نحزن ونُفجَع ونغضب.

أما الأمر الآخر الذي أتى على ما تبقى من مزاج الأسبوع فهو توقيف صحيفة «الوسط» عن الصدور والتداول، ولدقة أكبر ليس قرار التوقيف الذي أصدرته هيئة شئون الإعلام بحق الصحيفة، وإنما ما تلاه من ردود أفعال وتعليقات اشتعلت بها وسائل التواصل الاجتماعي. فإن كان لقرار الهيئة أسباب لم تعلنها بالتفاصيل، وإن اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الأسباب التي اجتهد كلٌ لتعريفها، أو مع القرار نفسه؛ فإن التفاعل مع إجراء التوقيف هو ما يستحق التوقف عنده والتساؤل إن كان الوسط الصحافي معنيّاً ومهتماً بأمر «حرية التعبير» التي كفلها الدستور في مادتيه (23) و(24)، والتي هي «رأسمال» الصحف وكل صحافي امتهن الصحافة كرسالة وليس كوظيفة لكسب معيشة، بها يؤدي رسالته وبها تتربع الصحف في موقع «السلطة الرابعة» التي تتعالى مكانتها كلما ارتقت المجتمعات. هذه المجتمعات هضمت المقولة التي نسبت إلى فولتير منذ القرن الثامن عشر والتي تقول «قد أختلف معك في الرأي ولكنني مستعد أن أموت دفاعاً عن حقك لقول رأيك».

الأسوأ من التعليقات وما تؤشر إليه، كانت اللغة التي كتبت بها، وكأننا نعيش على كوكبين مختلفين، لن نلتقي بمن وجهناها له بعد لحظة كتابتها، على طاولة عمل، أو في مطعم، ولن يلتقي أبناؤنا على كراسي المدرسة، ولن تجمعنا جيرة أو نسب كما يُتوقع أن يحدث في مجتمع ليس له إلا رقعة تزيد قليلاً عن 700 كيلومتر مربع من الأرض ليعيش عليها، أو بالأحرى يعيش على ثلثها المعمّر، هذه أبسط جوانب التعايش الاجتماعي اليومي، إذا ما تركنا جانباً نواحي العيش الأكثر جدية وأهمية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

الاختلافات تكشف أوّل ما تكشف أخلاق المختلفين، وفي وسائل التواصل الاجتماعي حيث الفضاء المفتوح، تحدٍ كبير ليكون الشخص رقيب نفسه، فكل تغريدة وكل تعليق يُطلق يعبر عن الشخص الذي يطلقه، وكلما ارتقت لغة التعبير عبّرت عن رقيّ أصحابها في اتفاقهم وفي اختلافهم، في قوتهم وفي ضعفهم، والعكس صحيح.

ثمة تشابه بين ردود الفعل تجاه تفجير مسجد أبها وبين توقيف «الوسط»، فتفجير المسجد كما يقول التاريخ الذي لم يطوِ بعد صفحة تفجيرات مشابهة قريبة، هو ضمن سلسلة تفجيرات تحدٍ إرهابية داعشية، لثوابت حرمة بيوت الله، دون التمييز بين مذهبها أو حتى ملّتها، إلا أنه وجد، هنا، في البحرين، المثقلة والمثخنة بجراح مفتوحة تنتظر يداً سحرية لتغلقها؛ من يصفق له ومن يطلُّ بتعبير شامت في رد انتقامي على تعبير شامت سابق، تأنف من كلاهما النفس السويّة.

محزنة ومؤلمة ردود الفعل على توقيف «الوسط» ومحزنة ومؤلمة ردود الفعل على تفجير مسجد أبها. مازال هناك من يقول صحيفتنا وصحيفتكم وليس صحافتنا، ولايزال هناك من «يجرّ» الشهادة قرب ضحاياه التي يستهدفها عدو مشترك. الحدثان المتزامنان كشفا أننا لم نتعلم بعد من دروس السنوات الأربع الصعبة، التي أتت على إرثنا الذي صنعناه سنين طويلة على هذه الأرض، وأنّ مازال بيننا من يعتقد أننا الجالسون في قارب واحد بإمكان بعضنا إغراق بعضنا الآخر بإحداث الثقوب في طرفهم الجالسين عليه، والفوز بكل القارب لنا.

صحيفة الوسط البحرينية – نشر بتاريخ 12-08-2015 – العدد: 4722

http://www.alwasatnews.com/news/1015719.html

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s